كتب جوش ليبسكي أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعاد رسم خريطة النظام التجاري العالمي في سبعة أشهر فقط، بعد أن ظل قائمًا لما يزيد عن سبعين عامًا.
تشير منصة أتلانتيك كآونسل إلى أن ما فعله ترامب تجاوز التوقعات، إذ سهّل تخلّي الدول الأخرى عن النظام التجاري القائم على القواعد، رغم ما كانت تعلنه سابقًا من التزامها به كدعامة لازدهار الاقتصاد الدولي.
منذ بداية عام 2025، ارتفع متوسط التعرفة الجمركية الأمريكية من 2.5% إلى أكثر من 15%، ويُتوقع أن تلامس 20% قريبًا، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ قرن. هذه الزيادة رافقها فرض رسوم جديدة على قطاعات مثل الأدوية والنحاس، وتغيير جوهري في معنى الاتفاقيات التجارية: لم تعد تهدف إلى إزالة الحواجز، بل إلى فرض تعريفات مرتفعة مقابل وعود بالاستثمار داخل الولايات المتحدة.
تقبّل العديد من الشركاء التجاريين هذا التحوّل لأسباب مختلفة؛ بعضهم خشي تكرار المواجهة التجارية التي تخوضها الصين مع أمريكا، وبعضهم رأى أن دفع الرسوم يقع على المستورد الأمريكي وليس المصدر الأجنبي، ما يجعل قبول الاتفاق أمرًا مقبولًا إذا حافظ على التنافسية. دول مثل كوريا الجنوبية واليابان وحتى الاتحاد الأوروبي وافقت على صيغ مشابهة، رغم اعتراضاتها السابقة.
لقطة رمزية واحدة عكست التغيير: جلوس رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على ملعب غولف تابع لترامب في اسكتلندا، تفاوض بشأن اتفاقية ثنائية لا تمت بصلة للمفاوضات المتعددة الأطراف التي طالما اعتمدها الاتحاد الأوروبي.
تعطيل منظمة التجارة العالمية مثّل تحولًا لافتًا. ففي أبريل، أكد سفير الاتحاد الأوروبي في المنظمة التزامه بالقواعد متعددة الأطراف، ووصف تعريفات ترامب بأنها انتهاك لمبادئ المنظمة. بعد أشهر قليلة، أصبحت القواعد تُعدّل حسب الحاجة، والمنظمة غائبة عن المشهد، والتعريفات أصبحت واقعًا دائمًا.
لم يكن ممكنًا إعادة تشكيل النظام بهذه السرعة دون قبول واسع من دول أخرى، وهو ما يعكس إحباطًا متراكمًا من تعقيدات المفاوضات التجارية التقليدية. تعثّر جولة الدوحة في 2008، والفشل في إصلاح النظام بما يتناسب مع صعود الصين والهند، هزّ ثقة كثير من المسؤولين. ترامب لم يبدأ هذا الانهيار، لكنه استغل هشاشته.
النتيجة: حالة من الفوضى. الاتحاد الأوروبي يتعامل مع الولايات المتحدة بنظام، ومع دول أخرى مثل إندونيسيا وأمريكا اللاتينية بنظام مختلف. المشكلة أن النظام السابق صمد لأن أقوى دولة عسكرية واقتصادية التزمت بقواعده. الآن، مع انسحاب الولايات المتحدة من هذه القواعد، سيفقد النظام جذوره.
ربما تراهن بعض الدول على العودة إلى المسار السابق بعد انتهاء ولاية ترامب، خاصة أن كثيرًا من الاتفاقيات الحالية تشمل التزامات استثمارية لمدة ثلاث سنوات فقط. لكن خفض الرسوم مستقبلًا لن يكون سهلًا، خاصة أن بعض الشركاء التجاريين، مثل الاتحاد الأوروبي، قدّموا بالفعل تنازلات كبيرة.
منذ تأسيس اتفاقية "الجات" عام 1947، والتي تطورت لاحقًا إلى منظمة التجارة العالمية، اعتقدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة أن التجارة الحرة تخدم مصالح الولايات المتحدة. ترامب يرى العكس، ويعيد تشكيل النظام بما ينسجم مع رؤيته، والعالم يتكيف معه بسرعة غير مسبوقة.
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/how-donald-trump-remade-global-trade/